محسن الأكرمين.
حين طَلبَ مَنِّي الرئيس الجهوي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة (فاس – مكناس) السيد يوسف السوحي، كلمة في حق الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة، كشهادة واقفة في اللقاء المفتوح مع الصحفي والرئيس المدير السابق للشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة (سبريس)، انتابني الخوف الصامتة، خُصوصا عندما يتم الحديث عن شخصية مُركبة تغرف من نبع الإعلام والمقاولة والثقافة العالمةِ…
عندما فكرت في تركيب هذه الشهادة النوعية بقيمة الرجل الاعتبارية، وجدت نفسي أمام مشاهد متنوعة، فتساءلت عن البداية؟ وبمَّا قد أختم مداخلتي ؟ لكن عند اعتدالي وقوفا احتراما للأستاذ محمد عبد الرحمان برادة، فقد فُكَّ عَنِّي التباسُ الحديث، وارتباك المعاني، فابتسامة الرجل الفيضية وصرامة الملمح، زادتني قسطا من الأمل والإصرار على متابعة كلامي، لذا قلت لكم أن شخصية الرجل مركبة، وتحمل النوعية والتراكم العملي والثقافي في مسارات تحقيق الحرية للكلمة الإعلامية.
عندها، قلت مادام الرجل من أعمدة الإعلام والنشر والتوزيع، فلما لا أتحدث عن مسيرة حياة في خدمة الصحافة والثقافة…؟ لما لا أستغل شرف الفرصة في الحديث أمام الهامات الإعلامية والصحافية بالمغرب، وأبدأ مشهد حديثي الأول عن الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة النشأة ومسقط الرأس والمسار التعليمي والعملي… حينها أسعفتني الكلمات بالتداول الحضوري، وأثمر قولي ببينة عن الأستاذ محمد عبد الرحمان المكافح والصبور في ميدان (القلم ) الآتي من جيل (التغيير والتغيرات والبحث عن حرية الكلمة)،” هنا تيقنت أنني وجدت أثرا ماديا ولا ماديا في كل بقعة من جغرافية الوطن وخارجه أنه “عاش حياته بكل الامتلاء والكتابة والتنوع، على النحو الذي حلم به، ليستقر به الحال أخيرا على كتابة سيرته الذاتية في كتاب “شغف وإرادة … رهان في الإعلام والثقافة والسياسة”، والذي هو بحق زكاة علم مُستفيضة المعالم، و مسيرة عُمر، وخِبرة، وتجربة أغنت رفوف مشهد المكتبة الوطنية على وجه التعميم”.
هنا لاح لي مشهد كنت أود كشف الحديث عنه، “ليس فقط التعريف بالمسار الشخصي للمؤلف، بل بتسليط الضوء على تجربة مهنية طويلة، وثرية ناهزت أكثر من أربعة عقود، وأثرها الإيجابي في مجال الصحافة والنشر والتوزيع، والثقافة في بلادنا”…
هنا سهل اختباري :” فالوصف قد يكون سهلا مع التنصيص على ذكر النوعية والتفرد للرجل في ميدان الصحافة والثقافة والنشر… فقد كان التنبيه اللاحق بعزة الرجل :” إلى أن هذا الكتاب يتضمن فقط بعضا من مسيرة حياته، ولمحات من مسيرته المهنية والشخصية في ارتباطها بمراحل من التاريخ الحديث للمغرب، بدءا من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وصولا إلى بناء المغرب المستقل، واستكمال وحدته الترابية…” فالأمر إذا “يتعلق بكتاب تاريخ ذاتي، لكنها الذات في تقاطعها مع ذوات أخرى لسياسيين وقادة وطنيين وكتاب كبار أضفوا على مسيرته بُعدا ونكهة خاصة…”.
ورغم، فقد قررت العدول عن الأمر لأن سيرة الأستاذ برادة غنية ولها أثر أينما نقرت على زر حاسوبي(المتهالك)وتأتيني متوافدة وطيعة. ثم قلت إن صفة الأستاذ والكاتب والمقاول والإعلامي، ستضطرني إلى مخاطبة الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة بالسيد الأستاذ… وما دامت الألفاظ والصفات ترسم حدود قول الاحترام والتقدير فلا حاجة لي بالأمر في هذا المقام الرفيع مادام أنني في حضرة البوح وملاقاة”السيد برادة الحكم العادل بين قبائل الصحافة… وصانع كرامة توزيع الصحف والمنشورات… وفق نمط التدبير الذاتي ومتطلباته…” فقلت لأتحدث عن عنوان الكتاب أولا، والذي يجمعنا في هذا الحفل البهيج بمدينة السلاطين مكناس:(شغف وإرادة) وجدت أن:” دلالة الشغف تُحيلنا نحو الشعور بالحماس الشديد، أو الرغبة التي لا تُقاومُ تجاه شخص أو شيء ما، وتذهب إلى أقصى الحب، بينما الإرادة هي ذلك التصميم الواعي على أداء فعل معين، يستلزم معايير ووسائل لتحقيق المؤشرات اللازمة “.
لكني تذكرت حينها أن أول تعريف يُقربني من الرجل، وملامسة مساره العمري بين الماضي البنائي الذي ما ينفك يمضي، وأثر الحاضر الذي يأتينا طوعا من سيرة الأستاذ محمد:” فالمؤلف رأى النور في مدينة وجدة في (1941)، والقاهرة، وباريس والدار البيضاء.. وهي من بين إحدى أبرز المحطات التي ميزت مسار الكاتب … تشبع خلال مساره الدراسي فيها بقيم الوطنية والفضيلة، وكانت وجدة التي عاش فيها، وظل متعلقا بها رمزا للفداء، في معركة التحرير والاستقلال، ولم يكن غريبا، كما يذكر في كتابه، أن تكون ثورة الملك والشعب قد انطلقت (يوم 16 غشت 1953) منها ومن نواحيها، أي (قبل 20 غشت) في باقي المدن المغربية.
روح الشغف والإرادة عند المؤلف، ففي أول محطة من حياته المهنية ،بعد نيله شهادة الباكالوريا ودبلوم اللغة العربية من معهد الدراسات العليا بالرباط، اقتحم مهنة تدريس اللغة العربية وإخلاصه لها، وذلك بحرصه على تحبيب هذه المادة لطلبة البعثة الفرنسية في وجدة…”.
هنا تراءت لي الأستاذية والمهنية، ومجموعة من صفات الهدوء الحكيم والمتزن للرجل، هنا فتحت واجهة تاريخية من جيل الاستقلال، ونشر حرية الكلمة، وصوت السلطة الرابعة هي :”مغامرة العمر في حياة برادة ،الذي يعترف بأنه سواء أراد ذلك أم أبى ،فإن اسمه اقترن في أذهان الناس بميلاد وتطور مؤسسة (سَبْريس)، ليس فقط لكونها تختزل أكثر المراحل عطاء في حياته، بل لأنها تعكس أيضا الشكل الرائع الذي اتخذه عشقه لمجال الصحافة والنشر، ثم لأنها كانت أكثر مغامراته المهنية والإنسانية كِدا وجُهدا وأكثرها مدعاة للارتياح والاعتزاز…”.
فقد كان:” شعاره “جريدة لكل مواطن”، وتَلْيين التحولات والصراعات التي كانت الصحافة في قلبها بعد الاستقلال” استطاع أن يحصل على دعم أحزاب المعارضة في 1977″ حزب الإتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، من أجل تأسيس شركة “سبريس”، والمساهمة في رأسمالها لتوزيع صحف تلك الأحزاب ، وهي صحف: “المحرر” و”البيان” و”العلم” والتي ما تزال تصدر إلى اليوم…”.
اُعذرني، فقد سقطت فيما كنت لا أنوي، الإطالة عليكم… فقلت لما هذا يا ابن الأكرمين؟ فالأستاذ محمد عبد الرحمان برادة :” وَظَّفَ استفادته كأحد أطر الشركة من دورات للتكوين الصحفي في فرنسا، و دورات التكوين في مجالي الاقتصاد، وتدبير المقاولة الصحفية، وانخرط في عدد من المنظمات المهنية الدولية المتخصصة في النشر والتوزيع، واكتسب خبرة في ميدان إصدار ونشر وتوزيع الصحف، وانتفض لكسر الاحتكار في هذا القطاع …”.
لَمْ أدر لما لا أتوقف؟ فَكُلما تكلمت عن الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة تمدني الكلمات الطيعة عنه بالحكي المقبول، وفي البحث عن مناقب الرجل (أطال الله في عمره)… وعندما وصلت إلى هذا الحل المُنْصف، انتبهت إلى أن المشهد المؤطر لكل المشاهد السابقة هو مشهد شهادات الأصدقاء وفي هذا الإطار يَذْكر السيد نور الدين مفتاح ضمن هذا الكتاب:” أن الأستاذ برادة واصل رعاية المشاريع الواعدة، وتغذية التعددية، ودعم المواهب، وكانت له براعة في اكتشافها”…
قائلا :” أن الأستاذ محمد… أقرضه قرضا حسنا عند تأسيس أسبوعية الأيــــــــــــام ، اقتطعه تدريجيا من مبيعاتها، وفعل هذا مع كثيرين…”.
يمكن أن أستمر، وأُطيل القول زيادة، ولا أُوَفِّي الرجل حقه فيما حققه من صناعة رقي للصحافة، وتحريرها من الاحتكار”وتظهر روح الشغف والإرادة والابتكار مرة أخرى في عيشه قريبا من عالم الكتابة الفكرية والأدبية والسياسية بكل تفاصيلها، والعمل بْتِيمة روح الكتمان السياسي … شارك بجودة وكثافة في الحركية الثقافية الوطنية والعالمية، وجعل من قيمة الكتاب من خلال (سَبْريس) توأما للجريدة والمجلة … في التوزيع “.
وقد تطرق المؤلف في هذا الشأن بتفصيل إلى حصول (سبريس) على شرف توزيع كتاب “ذاكرة ملك”، الذي يهم جزء من مذكرات المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني (طيب الله ثراه)، وإلى الاستقبال الذي خص به المغفور له مع شخصيات من رجال الفكر والثقافة والإعلام العرب …”.
الآن انتبهت إلى أن شهادتي أصبحت تقريبا شبه متكاملة، و تحتاج إلى قراءات متعددة لمسارات الرجل:” وبالطبع فإن جهود المؤلف المحمودة و الممتدة على عدة عقود في خدمة الصحافة والإعلام والثقافة ، جعلته جديرا بأن يحظى بالتقدير، وحصوله في سنة 2003 على أول جائزة وطنية كبرى للصحافة كان جلالة الملك محمد السادس (نصره الله)…
ومن أكبر مظاهر التقدير الذي يعتز به المؤلف إنعام جلالة الملك محمد السادس (نصره الله) عليه في شتنبر 2004 بوسام ملكي ، معتبرا أن هذه الالتفاتة الملكية اعترافا وتقديرا لكل المسؤولين في (سَبْريس) على ما بذلوه من جهود، تُعتبر ثورة حقيقية من أجل إحكام شبكة عصرية لتوزيع الصحف، وإبداع أساليب جديدة لتدبير مختلف
للمشهد الأخير من الشهادة تتم وقفة التقدير للأستاذ السيد محمد عبد الرحمان برادة، وهو يحظى بإعجاب من الحضور أينما حل وارتحل… وأقول : إن يرضى عليك السيد محمد عبد الرحمان برادة، ترضى عليك أمة الصحافة والإعلام والثقافة، ومقاولات النشر والتوزيع بالإجماع …