آخر الأخبار

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب بالمملكة المغربية

[بلادي نيوز]28 نوفمبر 2021
كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب بالمملكة المغربية



باسم الشعبة المغربية
في الدورة 143 لجمعية الاتحاد البرلماني الدولي

مدريد، من 26 إلى 30 نونبر 2021
السيد الرئيس
الزميلات والزملاء رؤساء المؤسسات التشريعية وأعضاء الوفود
السيد الأمين العام
السيدات والسادة،

يطيب لي في البداية أن أشكرَ، باسم برلمان المملكة المغربية، السلطات الاسبانية، وبرلمانَها على استضافةِ الدورة 143 لجمعية الاتحاد البرلماني الدولي، وأن أشيدَ بقدرة هذا البلد الصديق، الجار والشريك على احتضان هذه الدورة وتوفير أسباب النجاح لها في سياقٍ صعبٍ فَرَضَتْهُ جائحةُ كوفيد 19 وما ترتبَ، ويترتبُ، عنها من تداعياتٍ هي بصددِ إحداثِ تغييراتٍ كبرى في السياسات العمومية والتنظيمات الاقتصادية والاجتماعية وأنماط العمل، وأساسا في الأولويات.
وحسنًا فَعَلَ اتحادُنا عندما اختارَ موضوعَ “تجاوز الانقسامات وتعزيز التماسك من أجل رفع التحديات الراهنة التي تواجهها الديموقراطية”، محورًا للمناقشة العامة في هذه الدورة. فقد عَمَّقَت جائحةُ كوفيد 19 الفوارقَ الاجتماعية والمجالية داخل البلد الواحد، وبين أعضاء المجموعة الدولية، بين الشمال والجنوب، وبين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وازدادت الانقساماتُ، واحْتَدَّت التَّقاطُبَات، وتعددتْ مظاهرُ النقد والاحتجاجِ في الجنوبِ كما في الشمال.
وقد فاقَم هذا الوضعُ التحدياتِ التي تواجهها الديموقراطيةُ التمثيلية أصلًا، إذ وجدت التياراتُ الشعبوية والمنغلقة، الأرضيةَ الخصبة لكي تَزْدَهِرَ وَتَنْتَعِشَ، وَوَجَدَت النَّزعاتُ “السيادية” مبرراتٍ جديدة مغلوطة لتلميع خطاباتِها ودعواتِها الحمائية واسْتِنْبَاتِها في التفكير الجمعي للناس.
وفي مقابل هذا النمط من التفكير الذي بدأ يجدُ أنصارَه في الشمال كما في الجنوب، يَتَرَسَّخُ الشعور بالغُبْن والتهميش والإقصاء من جانب فئاتٍ عريضة من شعوب الأرض، وخاصة في الجنوب. فقد عمقت الجائحةُ من مظاهر الفقر، وأَثْقَلت كَاهِلَ النُّظُمِ والخدمات الصحية الهَشَّةِ أصلًا، وزَادَتِ الضَّغْطَ على الإنفاقِ العمومي المتواضع أصلًا.
ومِمَّا زاد من حدةِ هذا الشعور، تَوَاضُعُ بل وضعفُ، التضامن الدولي في مواجهة الجائحة خاصة مع شعوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما عايشنا ذلك في ما يخص التَّزَوُّدَ باللقاحات، وكما تؤكد ذلك نِسَبُ التلقيح في القارة الافريقية التي تنتمي إليها، ونؤكد على حق شعوبها في اللقاحات والأدوية.
ولكن، دَعُونا، السيد الرئيس، الزميلات والزملاء، نتساءلُ في ضوءِ التاريخ البعيد والحديث والمعاصر عَمَّا إذ لم تكن الديموقراطيةُ التمثيلية، وستكونُ، حاجةً مجتمعيةً مَاسَّةً، وضرورةً مؤسساتية.
فحتى في عز الجائحة، كانت الحاجة إلى البرلمانات تتصدر الأولويات من أجل اعتماد التشريعات الملائمة للسياق، وتحصين الحقوق والحريات واعتماد الميزانيات الضرورية لتمويل الاقتصاد والترخيصِ بالإِنفاق في السياق الخاص. ويُعَلِّمنا التاريخُ منذ أثينا القديمة، أي منذ 25 قرنا أن النقاش العمومي والديموقراطي، حاجةٌ سياسيةٌ ومجتمعية.
أَوَ لَمْ تكن الديموقراطيةُ التمثيليةُ التعددية هي المَخْرَجُ من الأزمات الحادة في مرحلة ما بعد الحرب الكونية الثانية ؟ أو ليست هي ما تبحث عنه سياسيا بعض شعوب الأرض اليوم التي تعاني في الحروب الداخلية والإرهاب ؟

السيد الرئيس
تميلُ بعض الأطروحات إلى التأكيد على أن الديموقراطية المؤسساتية التمثيلية، التي تجسدها البرلمانات بالتحديد، أُصِيبَتْ بالعَيَاء أو التَّرهُّل، فيما تزيد النَّزَعَاتُ المناهضةُ للديموقراطيةِ البرلمانية والمؤسساتية التمثيلية، من إرهاقها.
ولَئِنْ كان هذا الاستنتاجُ صحيحًا، جزئيًا، فإننا كبرلمانيين ونُخَب، ينبغي أن نظلَّ متمسكين بضرورة إعطاءِ الدَّفْعِ الضروري، والنَّفَسِ الاستراتيجي للديموقراطية وأن تكونَ أعمالُ البرلمانات ذات جدوى ومردودية، ما دامت الديموقراطية هي الضمانة الأساسية في مواجهة الفوضى وهيمنة القوة.
في هذا الصدد، نرى، وارتباطا بسياق نقاشنا وبناءً على الممارسة التي راكمناها في المملكة المغربية، أن الاقتراحات التالية، يمكن أن تساهم في تجديد الديموقراطية المؤسساتية وإعطائِهَا النَّفَسَ الذي يجعل الناس يَسْتَبْطِنونَها ويثقون فيها.
وهكذا :

  • ينبغي أولا أن تُرَكِّز البرلماناتُ، بالإضافة إلى مهمتها الأصلية التي هي التشريع ومراقبة العمل الحكومي، على تقييم السياسات العمومية وتَبَيُّنِ أثرِها على حياة الناس، وتقوية الدبلوماسية البرلمانية التي يجسدها اتحادنا إلى جانب مؤسسات أخرى متعددة الأطراف،
  • ينبغي لنا، ثانيا، أن نُرَسِّخَ مفهوم برلمان القُرب الذي يتواصلُ مع المواطنات والمواطنين ويعكسُ انشغالاتهم،
    ينبغي، ثالثا، تعزيزُ أدوارِ الأحزاب السياسية باعتبارها، من أدوات الوساطة الضرورية للاستقرار وتعزيز المشاركة في تدبير الشأن العام،
    ينبغي، رابعًا، ترسيخُ الديموقراطية التشاركية والمُواطِنَة ودعم أدوار المجتمعات المدنية، التي تؤطر المبادرات المُواطِنة في اقتراح التشريعات، وتقديم العرائض إلى السلطات العمومية، وتساهم في تقييم السياسات العمومية وتلعبُ دور المُنَبه اليَقِظِ إلى مشاكل وقضايا المجتمع.
    ينبغي، خامسا، إعادة الاعتبار للنقاش العمومي الرفيع والجيد، وللسياسة والفكر، والقيم الديموقراطية والعمل على النحو الذي يُوَظِّف التكنولوجيات الجديدة وشبكات التواصل، إيجابيا ويجعلها تروجُ لِمَا هو بَنّاء وإيجابي ولقيم الديموقراطية والتعددية والاعتدال والانفتاح.
    ينبغي، سادسا، للبرلمانات أن تساهم في ترسيخ قيم المشاركة والديموقراطية، إلى جانب الأسرة والإعلام والمدرسة والجامعة والفضاء العام.
    السيد الرئيس
    الزميلات والزملاء،
    تتأثر الديموقراطية، اليوم، وتُؤَثِّر في عدد من القضايا التي تحولت إلى عوامل مؤثرة في الاستراتيجيات الدولية، من قبيل الهجرات واللجوء والنزوح والاختلالات المناخية. ويتعين علينا كبرلمانيين أن نتصدى لجذور هذه المعضلات الدولية الراهنة، وتصحيح المغالطات التي يتم الترويج لها عن هذه الظواهر.
    ومن جهة أخرى، ينبغي أَلَّا نَغْفِلَ التَّمَفْصُلَ العام بين الديموقراطية والتنمية، وضرورة التصدي للفقر. وإذا كان المواطنون والمواطنات يتطلعون إلى مردوديةِ الديموقراطيةِ والمؤسساتِ التمثيلية، فإن آليات جديدة للتضامن الدولي من أجل التنمية، وتحويل الرسَامِيل والتكنولوجيات الجديدة وتكنولوجيات الصحة من الشمال إلى الجنوب، باتت حاجة مُلِحَّة. فبالموازاة مع عولمة الاقتصاد، وعولمة الفكرة الديموقراطية، ينبغي تقاسم مردود الثروات وما توصلت إليه البشرية من تقدم تكنولوجي ومن مَعَارِف.
    وبالتأكيد، فإن ذلك لن يكون مُتَاحًا ومتيسرًا ما لم يتم بناء الاستقرار وأساسا احترام سيادة الدول ووحدتنا الترابية وتقاليدها السياسية، ذات الجوهر الديموقراطي، بالطبع.
    شكرًا على إصغائكم.
الاخبار العاجلة