عادل بن الحبيب
في واقعة تلقي الضوء على مخاطر التصعيد بين الجزائر و المغرب ، زعمت الجزائر في بيان لها أن ثلاثة من مواطنيها قتلوا في قصف نُسب للمغرب. في حين وصف المغرب ما ورد في البيان بـ”اتهامات مجانية” قائلا إن بلاده “لن تنجر لحرب مع جارتها الجزائر”.
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تخرج الجزائر بسيناريو جديد يمهد لصراع مباشر مع المغرب، فلم تعد الرئاسة الجزائرية ولا رئاسة الأركان، التي توصف بأنها المتحكم الفعلي في دواليب الدولة الجزائرية، تتفادى طرح احتمال تحوله إلى حرب ميدانية، تنهي 30 عاما من صمت المدافع الذي بدأ رسميا بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 بين المغرب وجبهة “البوليساريو” بوساطة من الأمم المتحدة.
ولم يعد الأمر مقتصرا على “توعد” الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالدخول في حرب مع جيرانه ، ولا في الدعوات المتواصلة العلنية لقائد الأركان السعيد شنقريحة لعناصر جيشه بالاستعداد للمواجهة، بل اتخذ منحى جديدا بالحديث عن سيناريوهات تحاول رسم المغرب في صورة البادئ بالعدوان.
وأمام مشاهد التصعيد المستمرة القادمة من الجزائر والتي يقابلها حكمة و هدوء و صمت مغربي رسمي، يبقى السؤال المطروح حول مدى جدية احتمال نشوب حرب بين الجارين . عمليا، يبدو احتمال نشوب حرب على الواجهة البحرية المتوسطية للبلدين أكثر السيناريوهات المستبعدة، ليس فقط لأنه يُهدد أمن واقتصاد كافة الدول المتوسطية وخاصة منها القريبة من سواحل البلدين على غرار إسبانيا التي ستكون المتضرر الأكبر من مثل هذه الخطوة، والمملكة المتحدة التي تفرض سيادتها على إقليم جبل طارق.
وإن كان مؤشر التسلح يوحي بأن البلدين يعتبران أن نشوب الحرب أمرا مطروحا، إلا أن هذا جد مستبعد لعدة اعتبارات أمنية و اقتصادية و سياسية ، كما أن التصعيد القائم بينهما مصدره طرف واحد هو الجزائر، في حين أن الطرف الآخر وهو المغرب، لا يزال يرفض الانجرار إلى التصعيد.
البحث في أسباب تلويح الجزائر بالحرب سيقودنا حتما إلى الوضع الداخلي المتأزم داخلها، في ظل تصاعد المطالب الشعبية المرتبطة بالوضع الاجتماعي واضطراب أسواق النفط، والأهم عودة الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح والذي لم يتراجع إبان جائحة الكوفيد 19 سوى لأخذ استراحة محارب، الواقع يحيل الى محاولة لتصدير الأزمة الداخلية بغرض تأجيل الاستحقاقات المتعلقة بالمطالب الشعبية في الدمقرطة والإصلاح السياسي والتغيير داخل النظام الجزائري.
وإلى جانب ذلك، يبقى خيار الدخول في الحرب رهينا أيضا بكلفتها، ليس فقط على البلدين المتحاربين ولا على دول الجوار، بل أيضا على دول أوروبا التي ستصل الأزمات المسلحة إلى أقرب نقطة منها في إفريقيا.
بالاضافة الى ارتباط المغرب والجزائر بأجندات دولية يصعب تجاوزها، من قبيل تفاهماتهما مع شركائهما الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية حول عديد الملفات الهامة، في مقدمتها التنسيق الأمني، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الهجرة السرية والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى عديد الشراكات الاقتصادية التي من ضمنها أنبوب تصدير الغاز الجزائري المنتهي عقده والذي يمرّ من المغرب في اتجاه أوروبا.
وفي ظل كل ما سبق، يبقى احتمال لجوء الجزائر إلى خيار “الحرب بالوكالة” أمرا مطروحا من خلال جبهة “البوليساريو” التي تصر منذ ما يقارب العام على وجود قتال في الصحراء، وهو خيار سبق أن لجأت إليه في حرب الصحراء في السبعينات وكُشف سنة 1976 بعد انتصار الجيش المغربي في معركة “أمغالا الأولى”، وذلك بعد أسر جنود جزائريين عُرضوا أمام وسائل الإعلام لإثبات المشاركة الفعلية للجزائر في تلك الحرب.
في الحرب لا يوجد خاسر و رابح، في الحرب الكل يخسر ، حتى المنتصر يخسر كثيرا…