محامو المغرب يحتجون أمام البرلمان للمطالبة بإسقاط “مشروع قانون المسطرة المدنية”

من أمام مبنى البرلمان وتحت أشعة الشمس الحارقة، نادت حناجر المحامين في المغرب بـ”إسقاط مشروع قانون المسطرة المدنية” الذي أثار الكثير من الجدل في الأوساط المهنية، خاصة بعد مصادقة مجلس النواب عليه الثلاثاء الماضي. ويعتبر “أصحاب البذلة السوداء” أن النص موضوع الاحتجاج “فضيحة تشريعية وانتكاسة حقوقية ودستورية”، وفق ما تشير إليه اللافتات التي حملوها اليوم خلال الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها من “جمعية هيئات المحامين بالمغرب” وانخرطت فيها مختلف الإطارات المهنية.

رفض المحامون الغاضبون مشروع القانون سالف الذكر على اعتبار أنه “ينطوي على تراجع خطير عن المكتسبات الحقوقية والدستورية التي حققها المغرب”، كما رفضوا “استعداء المحاماة” موجهين انتقادات لاذعة إلى عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، من خلال شعارات رفعوها خلال الوقفة؛ من قبيل: “المحاماة حرة حرة.. والوزير يطلع برة”، و”يا وزير يا جبان.. المحاماة لا تهان”، و”وا العدالة أش صرالك.. شفتك تبكي تغير حالك.. واش وهبي هو سبابك”.

حاتم بكار، محام بهيئة القنيطرة وعضو مكتب جمعية المحامين بالمغرب، قال في تصريح لهسبريس، إن “وقفة اليوم هي وقفة للتاريخ في مواجهة من يريدون إخراج المحاماة من جغرافية العدالة”، مضيفا: “هذه محطة نضالية جاءت بعد توقفنا عن العمل لمدة ثلاثة أيام، ورسالة نوجهها اليوم من أمام المؤسسة التشريعية مفادها أن مشروع قانون المسطرة المدنية تشريع جائر يتضمن مقتضيات تمس بالدستور المغربي والضمانات والحقوق الأساسية للمغاربة ويعكس تراجعا عن مجموعة من المكتسبات التي حققتها بلادنا”.

أكد بكار أن “الحكومة يجب أن تنصت للمكونات المهنية والحقوقية والجمعوية التي تقول إن هذا التشريع يجب أن يذهب في اتجاه مقاصد الدستور المغربي في اتجاه الحفاظ على حقوق المغاربة وليس إغلاق باب التقاضي في وجوههم أو يمنعهم من تنفيذ الأحكام بتعقيدات مسطرية”، مشددا على أن مشروع قانون موضوع الجدل “تنقصه الجودة؛ لأن وزير العدل لم يطبق المقاربة التشاركية التي ينص عليها الدستور، ولم يسمع نبض الشارع”.

أوضح المحامي ذاته أن “الوقفة مجرد محطة، وهناك محطات أخرى مقبلة”، مشددا على أن “شعارنا في هذه المواجهة هو: نحن صامدون إلى حين تحقيق المطالب القانون للمغاربة”، موردا أن “الملك محمد السادس يؤكد أن الحقوق في المغرب والخيار الديمقراطي خيار استراتيجي لا رجعة فيه. ولذلك، نحن سنسير في هذا المسار وراء جلالة الملك لتحصين مكتسبات المغاربة”.

عبر عضو مكتب جمعية المحامين بالمغرب على أمله في “تدارك الاختلالات وتدارك الإغفالات المتضمنة في مشروع قانون المسطرة المدنية أثناء مناقشته بمجلس المستشارين”، مسجلا أن “هدفنا هو تحصين المؤسسات لتعطينا قوانين ذات جودة وقابلة للتطبيق تحفظ كرامة المغاربة”.

خالد المروني، رئيس نقابة المحامين بالمغرب، قال إن “هذه الوقفة، التي تمت بالتنسيق بين جمعية هيئات المحامين بالمغرب والإطارات المهنية، تأتي في سياق البرنامج الاحتجاجي الذي سطرته هذه الإطارات احتجاجا على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي نعتبره انتكاسة حقوقية لا تتوافق مع مغرب دستور 2011″، موضحا أن “المشروع تضمن تراجعات خطيرة جدا فيها مساس وضرب صارخ بمبدأ الحق في التقاضي المكرس دستوريا؛ لأنه جاء لتسييج الولوج إلى العدالة، إذ جعله مرتبطا أساسا بالقيمة المالية للمنازعات وهو ما يكرس التمييز بين المواطنين”.

أضاف: “النص تضمن أيضا مقتضيات تربط الحق في اللجوء إلى القضاء بغرامات، وفيه فصول كثيرة تهدد من تقاضى بسوء نية أو من تقدم بمسطرة وصدر حكم في غير صالحه بغرامات، إضافة إلى مقتضيات أخرى تمس مبدأ المساواة بين المواطنين والإدارات العمومية”.

تعليقا على دفاع وزير العدل عن هذا المشروع الذي اعتبره “دستوريا ويضمن تقليص الزمن القضائي والقطع مع الدعاوى الكيدية”، أشار رئيس نقابة المحامين بالمغرب إلى أن “هذا النص تقدم به وزير العدل، ومن الطبيعي أن يدافع عنه؛ ولكن وجهة نظره تسائلنا جميعا، لأننا أمام مشروع قانون يمس بمبدأ التقاضي على درجتين ويحرم المواطنين من هذا الحق”، معتبرا أن “وجهة نظر الوزير مهزوزة وتفتقر إلى الأساس القانوني الذي يُسندها”.

تفاعلا مع سؤال لهسبريس حول الانتقادات الموجهة إلى المحامين كونهم “إنما يدافعون عن مصالح مهنية فئوية”، خاصة في ظل “السعي إلى فرض إلزامية المحامي في التقاضي”، الذي اعتبره وزير العدل “مطلبا يمس جوهر الحق في المساعدة القضائية وتتنافى مع الحق في مجانية القضاء لكم لا يتوفر على موارد كافية”، قال المتحدث ذاته: “نحن ندافع ونحتج ضد هذا المشروع من منطلق حقوقي محض، وليس من منطلق فئوي مهني؛ لأن فيه تمييزا وعدم مساواة، ويخدم أهداف معينة وفق المنطق الليبرالي للحكومة”.

محمد ألمو، محام بهيئة الرباط، قال إن “وقفة اليوم التي تنظمها هيئة الدفاع هي من أجل الدفاع عن حقوق المتقاضين في الولوج إلى العدالة، وهي أيضا خطوة نضالية لتحقيق وتكريس الأمن القضائي من خلال التشريعات الوطنية”.

أضاف ألمو، في تصريح لـهسبريس، أن “قانون المسطرة المدنية هو أهم قانون ينظم إجراءات الولوج إلى العدالة وهو أم القوانين”، منتقدا في الوقت ذاته “إخراج هذا النص بهذه الصيغة في غياب إشراك هيئة الدفاع التي لها ارتباط وثيق بالعمل اليومي في تطبيق هذه القوانين في الممارسة المهنية”، معتبرا أنه “يتضمن إجراءات مسطرية تتعارض مع بشكل صريح ومباشر مع الوثيقة الدستورية ومع مجموعة من الحقوق ومع ضمانات تحقيق المحاكمة العادلة”.

مقالات مشابهة