يغلبني التفكير في الفلسفة صبح يوم كل أحد، وكأنني أعيش التأمل في الوجود والموجود…يغلب علي مناقشة ذاتي، لكني في هذا الصباح كنت أستمتع بملمح حذائي الجديد… آمل تحمل كلماتي سادتي الكرام…
إنها حلقة تظل تدور طحنا، ومن سيفوز؟ والأدرينالين يُلاعب جسمي ويزكي طبيعة الخوف، ولما لا التحضير لأمر محتوم ومخفي. كنت خائفا يومها، وليست من عادتي أن يمتلكني منبه الفزع بلا سبب. قبل خروجي استغرقت عشر دقائق لانتعال فردة واحدة من الحذاء الجديد. كانت كل فكرة تراودني تؤلب الفكرة الأخرى لتصبح تماثل أفضل أفكاري، والجميع في تناحر دائري داخل صندوق فكري المغلق، لكني كنت أؤمن بمطلق حكمة تامة”من له بداية له نهاية”.
كان الأمر محتوما بالخاتمة، عندما انتهيت من انتعال حذائي الجديد بأبهة، وأنا أتصور نفسي مزهوا أسير بالشارع، وبريق حذائي يُلامِعُ عيون المارة. توقفت عند زخم هذا التفكير البورجوازي، والتجاوزات التغييرية في القيم الاجتماعية،ودائرة المعرفة المطلقة. كانت سلطة الاستهلاك على الأبدان والعقول في مسارات الشارع بادية. تيقنت أن أفكار الترف كانت دائما خطيرة بمستوى السيطرة على قناعاتي الشعبية من اللاتعيين إلى التعيين، لكني عدت بلا هرب نحو الشارع المتنوع.
كنت من بداية وعيي الأول، أختار دائما العيش كإنسان تتقاذفه من الأحداث ولغة الجدل كنمط حياتي. فالطريق التي كنت أسلكها مرارا وبالتكرار، هي نفسها التي أجد فيها التطابق وليس جوهر الاختلاف. ففي منحدر التطابق مرات عديدة أجد نفسي أمارس روحانية المتصوف في الأنين الصامت، والبحث عن أسس التطابق لإيجاد التناقض وفهمه. ومرات أخرى وبالقلة، أحس بالغربة في موطني وينقظ علي الاستلاب تحكما. ألحظ أن التناقض الذي أتجنبه مرارا يحاربني في بنية الوحدة والتركيب الإنساني، ويدفع بي نحو الاعتقاد بالمفارقة وممرات غرابة الحياد السلبي.
في مُغايرة الاختلاف، والبحث عن التوافق وهوية التطابق، تمكنت من سجن الاختلاف برعاية الحياد السلبي، وتحت أعين الحداثة السائلة للشيطان المارد. كان لي حينها الشرف أن ألقاك، هكذا حدثني الشيطان المعتقل داخل منطق التعارض اللامتناهي الحركة. من تم، ولأول مرة ساعدت على تحرير صيرورة المارد العقلاني نحو الهيمنة المعرفية المطلقة.
في عين العرافة ترف زرقة،ويظهر مثلث الجبنة المالحة منذ البدايات الأصلية، وهي تَمد لي منحة البركة في السير نحو هدف الحياة المفضي بظله نحو الانتهاء الحتمي، والذي لم ينفك عن الابتداء. كانت بحق ما تراه عين العرافة حدثا تاريخيا ولا يوجد خلفنا بقدر ما يتقدمنا في الحاضر والمستقبل، وهذا المبدأ مضنون أن يحدث يوما بفضل متوالية البداية والنهاية. فالذات لا تنفك تكون انعكاسا ورجوعا، بل تحضر لأجل النهاية.
تيقنت اليوم بمشية حدائي الجديد أنني أنتقل بالاختلاف وحركة الفكر الجدلية، وأبتعد بالانفصام عن ذاتي العليلة بالخوف نحو اللاإتفاق، واستنطاق الذات. من اليوم لن أمارس تفكير اختلاف الوجود عن الموجود بالتباعد، بل أعمل على السير نحو حركة انتقال التطابق، وتفجير التناقض.
في دغدغة الحداء الجديد المريحة، كنت أعيش لحظات السعادة التي كان يُنفرني منها حدائي القديم بالحصى الضاغط على مسطح رجلي السفلية. كنت أحس، أني لا أختلف عن تفكير القطيع السائر في الشارع بلا منبهات النهار والليل، والشتاء والصيف. لحظتها تذكرت السيدة فيروز و أغنيت (حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي…)، بعدها عشت في التيه والتذويب ينفي الحدود في الزمان والمكان. عند نهاية الشارع، تساءلت ألسنا أمام نهاية اليقظة القصدية؟