محسن الأكرمين.
جدال مقهى صباح، ابتدأ عبر طرح سؤال ماكر: هل مكناس تصنع سياستها التنموية، أم أن السياسة المكتسبة بالقدم هي التي تصنع المدينة؟ قَط في حياتي الماضية، لم أفكر في بدائل وترتيبات هذا السؤال، لم أفكر حتى في إبداء رأيي بالسبق في هذه المناقشة المستفيضة الصباحية الحامية الوطيس بين متنوع من الأفكار والآراء المضادة. لكني، لاحظت أن التشكيك في الفاعل السياسي والمدني يُضعف من مقدورية المدينة على تدبير شأنها الديمقراطي والعمومي بكل حكامة دستورية.
لم يكن تدخلي ضمن مناورات الحوار المستفز بالتباينات والتعليقات والرأي، والرأي المضاد، إلا دعوة صريحة أولا، في استرجاع الثقة في المؤسسات العمومية تامة، فقد باتت حمولة الثقة بالمدينة تماثل موسم الجفاف، وقد تزيد نسب الثقة الضعيفة في منحى منحدر (لا ثقة في سياسي !!)، وهذا ما يكرس تعميق الصورة السلبية عن النخبة السياسية ” … ويجعل العمل السياسي، يبقى دائما مرتبطا بالفساد والتورط في قضايا مشبوهة”. ثانيا، كما أن حجم المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، لا زال في هذا الصنف غير مكتمل في زمن أزمة المدينة التنموي الراكد، والبحث عن الحلول المركزية البعيدة !!
صُدمت كثيرا، حين تحدث صديقي السياسي أن (لاشيء يُنتظر من القادة السياسيين !! ما دامت أفضل القوانين الدستورية التي لدينا غير مطبقة بالفعالية التامة…”، إذ لاحظ “أن الفساد والرشوة مرتبطان بالنخبة السياسية أولا … والبياضات والفراغات القانونية التنظيمية لازالت تطبع العلاقات السياسية ثانيا ” !! هنا أدركت تنامي، مفهوم التضليل، والعدمية المطلقة في الرأي. أدركت تنامي خطاب تعويم الاختناق، تعلمت أن” تدجين النخب السياسية اكتمل نصابه، من خلال (عَلاَفَةُ) الريع (حلال) والاغراءات اللامتناهية في الزمن السياسي…”. انتهيت إلى أن سلاسل إنتاج الفساد طور من ذاته المتحورة، لكي يحتمي من درس الحكامة الدستوري والجامعي.
في ركن الجلسة، ذكرنا النقابي المتمرس بعدم احترام المُثلِ والفعل الديمقراطي والعمومي بالمدينة، ذكرنا بقياس الفرقاء الاجتماعيين “لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية ونقابات قوية (خاوية)” !! كان الجميع يستمع لخطاب المهادنة، واحتواء حراك التنسيقيات المطلبية في قطاع التعليم !! استرسل قولا وأكد على وجود “فساد إيجابي بالمدينة !!”، عندها بات الكل يريد الكلام وممارسة السفسطة السياسية والنقابية، لكنه كان ذكيا حين تساءل باللغة الدارجة الدالة: من منكم ما بَاغِيشْ يَدْخُلْ إلى الجنة؟، ابتسم الجميع لمكر السؤال، وقال:” لا المنطقة وسطى بين الجنة والنار” !! حين أردف صاحبنا أن نعيم الجنة مقترن بالموت أولا !! هي الحكامة التي تقوم على محاسبة الفاسدين بالمساءلة، فبدون (فساد إيجابي !!) لن نُكون جبهة الحكامة لغزو معاقل الفساد والريع (حلال) في المدينة !! وختم قوله:هي عمليات التطهير التي يجب أن تلحق الفساد لأجل الخلخلة البنائية الثانية. وأكد أنه مصير مشترك بالمدينة مهما كانت نتائج عمليات التطهير: “نحن اليوم، وما أعددنا لمكناس الغد…”.
هُرِبتْ أجوبة الخطاب بُعْدا عن سؤال هل مكناس تصنع سياستها التنموية، أم أن السياسة تصنع المدينة بالكره والكراهة؟ هُرِب فصل الخطاب عند المتكلمين الجدد من طينة المعتزلة والأشاعرة، ولم يتم لحد ساعة احتدام النقاش الفصل بين الدلالتين المتناقضين، في ظل تدهور جودة الخدمات العمومية، وعدم الرضا العام بالمدينة، وخيبة الأمل، والاستياء من أدوار الفاعل السياسي، وكفاف الشفافية والمصداقية (التدبير بالنتائج). ذكرنا جليس قهوة الصباح المثقف على ضرورة تعزيز وتقوية الروابط الثقافية التفاعلية، واستغلال إعادة توظيف التراث اللامادي والمادي بالمدينة، لأن التغيير ضروري، وذو طابع استعجالي، ومن الواجب “تحريك وتفعيل أدوات ومؤسسات الرقابة والمواكبة”، وتسريع وتيرة الانتقال بالمدينة إلى وجهة مناخ استثمار نظيف !!
من حسنات هذا الحوار المتنوع الأطياف، أن الجميع يُبْدي حُسن النية والجدية والصرامة، ويبحث عن منشطات الحكامة لعودة الثقة أولا في المستقبل، وثانيا تغيير أسلوب العمل بشكل الجماعي، وفق اختيارات وتوجهات إستراتيجية “لِي فَرَّطْ يَكَرَّطْ”، وكذا بناء طموح يحدد المؤشرات المنشودة، ويعبئ جميع الفاعلين لأجل: “مدينة يمتلك فيها الجميع، القدرة التامة على تولي تدبير زمام أمورالتنمية،مدينة تبرز كقوة ذكية نامية جهوية ووطنية، مدينة تضطلع بدور طلائعي في مواجهة تحديات المستقبل، لكي تتمكن “من صناعة سياسة التمكين والاستدامة التنموية”.