بلادي نيوز: عمر أعكيريش
نبدأ الرحلة من مدينة إنزكان، مخترقين مسافات طوال إلى حدود مدينة الزاك، إنها ليست زيارتنا الأولى لهذه المدينة الصامدة، اغتنمنا ذات سنة خلت ” قبل كوفيد” فرصة انعقاد فعاليات موسم أيت يوسي السنوي الذي ينعقد بمدينة أسا، لنزورها ونقف على جمالها ورونقها، لكن هذه المرة قررنا ألا نترك أنفسنا لغواية المكان، فقد حددنا مسبقاً هدفاً للرحلة، وهو الوقوف بالمحبس بمناسبة عيد العرش المجيد وقفة تضامنية وعربون محبة وإجلال لأفراد قواتنا المسلحة الأشاوس..
ونحن نقترب من المحبس، تراءت لنا تحت السماء المفتوحة والشمس الحارقة بقعة دائرية صغيرة محاصرة بصحراء شاسعة، عبارة عن دور بسيطة واطئة، تحاذيها خيام، لا تتعدى ال 40 محل سكني ومسجد يشكلون في مجملهم دوار بئر 6 الوحيد الصامد لكل عوامل التهميش والإقصاء، دوار يبعد ب 74 كلم عن أقرب نقطة تمدن وتحضر وهي مدينة الزاك، وخلال رحلتنا هذه من الزاك إلى دوار بئر 6 لم نعاين أو نلاحظ أي تجمع سكني أو محل واحد يشير إلى أن ثمة حياة، فالرمال الذهبية تحاذي وتلاحق الإسفلت من كلا الجانبين، فضلا عن كون دوار بئر 6 لا تفصله عن منطقة تندوف إلا حوالي 40 كلم، ما يعني أن الدوار يتواجد في واجهة الصمود والتحدي..
من بين الدور المشكلة لدوار بئر 6، منزل ” إبراهيم الراك” رئيس جمعية المرأة للتنمية والثقافة بالبئر 6 بجماعة المحبس اقليم أسا الزاك، منزل بمثابة “زاوية” بمفهومها التقليدي، المقرون بالكرم والجود والعطاء، وحتى المواساة وتخفيف الألم، والانتصار للحياة، منزل للضيافة، فيه تجد الراحة من وعثاء السفر، وفيه ومنه خرجت للحياة أنفس في وقت لم يكن للمشفى بالمنطقة ذكر، بيت حوى جزء من كرم حاتم الطائي، ومن شهامة ونبل العرب الصناديد..
داخل هذا البيت العامر، كان لنا في إطار برنامج الرحلة المعلن عنه مسبقا، لقاءا تواصليا مع ساكنة بئر 6، الذين يتنفسون الوطنية، وينهلون من معين ينبوعها العذب الزلال، قاوموا كل عوامل التهميش والإقصاء، وصمدوا إرضاء لوطنيتهم وحبهم وتشبثهم بأهداب العرش العلوي المجيد..
التحديات التي تواجه ساكنة بئر 6 كثيرة، تحديات الماضي، وتحديات الحاضر، فالدوار يمتد على مساحات شاسعة من الرمال ودوامات العواصف قد تداهمهم بين الفينة والأخرى، فعندما تتحول ذرات الرمل إلى شواظ حارقة، يصبح لزاما عليهم وضع لثام على وجوههم لا تظهر من خلفه إلا عيونهم، المتطلعة نحو أفق الأمل والمشرئبة نحو غذ أفضل..
وسط هذه التقلبات المناخية القاسية، تعيش ساكنة دوار بئر 6 التابع ترابيا لجماعة المحبس، إكراهات، بسطتها الساكنة خلال لقاءنا التواصلي معهم، معربين عن أملهم الكبير أن تجد الحل في أقرب الآجال..
اختفت صورة الأسى التي كونتها على المنطقة، لما بدت لي علامات التفاؤل مرسومة على محيا الساكنة، أطفال صغار لا يعيرون للواقع أدنى اهتمام، فهم منهمكون في مداعبة كرة جلدية متهالكة، في الوقت الذي انغمست فيه النسوة في إعداد وجبة الغذاء، فيما اقتعد الرجال صالة منزل ” ابراهيم الراك” يسردون مشاكل الدوار، وإن كانت موجة الغضب تسود بعضهم بسبب تهميش دوارهم، الذي يفتقر لأبسط شروط الحياة، حيث ما فتئوا يوجهون نداءاتهم وصرخاتهم مطالبين المسؤولين بالمجلس الجماعي والجهات الوصية الالتزام بالوعود التي تم تقديمها، وتتمثل بالأساس في مشكل الماء الصالح للشرب، مفصحين أن الدوار يحوي آبار ماء، لكن المشكل يكمن في عدم تجهيزها بمضخات وقنوات من شأنها إيصال الماء بشكل سلس إلى كافة الدور، إلى جانب رفض الجهات الوصية تسليم رخص البناء ما خلق مشاكل جمة لدى الساكنة التواقة لأن تحظى بحياة سكنية أفضل تحترم آدميتها، كما تطرقت الساكنة إلى مشكل المستوصف الصحي الحاضر الغائب، اعتبارا أن البناية إن جاز لنا تسميتها كذلك حاضرة، في ظل الغياب الكلي للأدوية خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة” الربو” على سبيل المثال لا الحصر، هذا في الوقت الذي تشتكي الساكنة إغلاق المسجد الوحيد بالدوار على ما يزيد على أربع سنوات دون معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الإغلاق الغير مبرر.. هي مطالب كانت تطالب بها منذ سنوات، دون أن يحقق منها الساهرون على الشأن المحلي والإقليمي أي شيء على أرض الواقع، بالرغم – كما قلنا- من توجيه الساكنة لعدد من الرسائل للفت انتباه المسؤولين سواء المحليين أو الإقليميين، والتي لخصوها في صعوبة العيش في منطقة خارج التنمية تفتقد لأبسط شروط العيش الكريم، والتي تزداد سنة بعد أخرى..
في ختام اللقاء التواصلي الهادف، أكدت الساكنة على أهمية دور المجتمع المدني في التنمية بالمنطقة، معربين عن اعتزازهم بالجهود المتصلة والمكثفة، التي قامت بها كل من المنظمة المغربية لسفراء المواطنة والدفاع عن الثوابت والمقدسات الوطنية، والمنتدى الدولي للتعبئة والتواصل ودعم الحكم الذاتي بالصحراء، للتحضير لهذا اللقاء التواصلي المثمر وتوفير عوامل نجاحه.
ودعنا ساكنة دوار بئر 6، أحسست أنهم بالرغم من المعاناة والأسى، إلا أنهم يحبون ويعشقون هذه الأرض الطيبة حتى الثمالة، ولم أجد لوصف ما يعانونه أصدق مما قاله الشاعر: بلادي وإن جارت علي عزيزة
وقومي وإن ضنوا علي كرام