محسن الأكرمين.
قصبة من تاريخ المجدِ تنتصب شامخة في قلب بني عمار زرهون، وتبعد تقريبا بحوالي (40 كيلومترا) عن مدينة مكناس. تاريخ المكان والإنسان ببني عمار حافل بالبطولات والمواقف النضالية ضد المستعمر ومواجهة الظلم. فحين نريد كشف مكونات التدوين التاريخي، نجد غُبْنا و شُحا في مورد المعلومات والتوثيق. فبات تاريخ المكان والإنسان في عُهدةِ النسيان والتَّلفِ، إلا ما حضر من وثائق وصور ومنشورات في صحف فرنسية تدون أحداث نضال مُبكر، ومواجهة ضد المحتل (د إدريس لكريني).
المدينة الصغيرة الأنيقة الخلابة بطبيعة مقدمة الجبل، حَطمت الصَّمت والمسكوتات، وخلقت الحدث في مهرجانها الذي بلغ دورته (13). مهرجان بني عمار طبعا يحمل البساطة التدبيرية، والقيمة النوعية المضافة، ويمثل بحق صناعة للفرجة من داخل المكان ومن جنس الإنسان الطيب الذي صمد وبقي وفيا للقرية رغم مغريات المدن وفتنتها. من ميزة المهرجان أنه يبحث عن ازدهار الجبل، من خلال تموضع الأمل في صلب خلق التنمية المستديمة، وتوطين سياسة التمكين الكلية. فإذا كانت (جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة) قد لا تتلقى الدعم الوفير، فإنها بحق جعلت من قصبة بني عمار حدثا عالميا قبل أن يكون وطنيا وجهويا ومحليا.
وبعيدا عن الوجوه الفنية والثقافية ذات الصدى الوطني والعالمي الحاضرة ضمن مكونات المهرجان، والتي تُغذي الأداء والأثر الثقافي والفني بالمنطقة، فقد يبقى (كرنفال الحمار) يشد المتتبع لفقراته، فالأمر ليس بالتميز طبعا والتبعيض، بل في دلالته البسيطة ذات القيمة الاعتبارية، لِما نال الحمار الحصة الأوفر من فقرات المهرجان كفكرة تفرد؟ لما الحمار بالضبط؟ أسئلة مرجعية سليمة وبأجوبة وصفية، لأن الحمار يُعْتبر الحيوان الذي يُقدم خدماته بلا تأفف للفقراء، ولعموم للطبقة الكادحة أين ما كانت وارتحلت. لأن الحمار ألف مسالك الجبل الوعرة، وبات السند الأساس لخدمات القرب والأولويات. لأن الحمار عموما يعيش القهر و(الحكرة) و(الضيم)، والمهرجان يبحث عن رد الاعتبار لهذا الحيوان المسكين الذكي، ولما لا حتى توطين كرامته بالاحترام والعناية، ولما لا التغزل فيه بلا تحقير ولا ازدراء.
نعم، مسكين هو الحمار تاريخيا، فحين تفقد سيدنا نوح عليه السلام الحيوانات التي ركبت الفلك للحماية من الطوفان، وجد الحمارغائبا، فتعطل الركب في انتظاره، والنداء عليه. لكن، المسكين كما تحكي القصص، أتى إلى السفينة وهو مطأطأ الرأس، وأذناه ساقطتان على جبينه، ومن شدة حنق سيدنا نوح عليه السلام، قال له : اصعد أيها الشيطان !! صعد الحمار المسكين، وغصة الغبن تشده في تمثيله بالشيطان المارد!! لكن المفاجأة التي كانت صادمة حين خرج الشيطان من أذن الحمار يتبختر السير أمام نبي الله، فنهر سيدنا نوح عليه السلام الشيطان، وسأله من أمرك بالصعود على ظهر السفينة؟ فكان جوابه الماكر: أنت !! قال سيدنا نوح عليه السلام : أنا !! قال الشيطان: نعم، أنت أَلَمْ تَقلْ للحمار اصعد أيها الشيطان !! فقد كنت بأذنه خامدا بلا حركة، وأُثْقلُ سمعهُ وسعيه حتى أمرتني بكل بساطة بالصعود وباسمي الخاص. ابتسم سيدنا نوح عليه السلام كما تقول الرواية التاريخية، وترك الشيطان فوق ظهر الفلك ناجيا من الغرق، فيما الحمار فقد بقي في نهيق مستديم تعبيرا عن مكر استغلاله، ورفضه للظلم والخديعة من قبل الشيطان الماكر. من تم بات الحمار في نهيقه المزعج، يعلن بأنه أكبر مُغرر به في تاريخ الحيوانات منذ رحلة سفينة سيدنا نوح علية السلام الناجية.
ما يعجبني في مهرجان بني عمار زرهون ( Baz Festi)، المطالبة بعدالة حيوانية، ورد الاعتبار للحمار على الخصوص، من تم كانت تلك المنافسات (الفولكلورية) و(الكرنفالية) تمثل توفير إشعاع لجغرافية المكان، وتسويق للإمكانات البشرية والطبيعية والتاريخية التي يمكن أن تستغل بالنفعية في صناعة السياحة الداخلية والخارجية.
فمهرجان بني عمار بات يشكل نقطة جذب ساحرة. من تم تبقى المطالب العامة التي يسوقها المهرجان تبعث رسائل مطالب الاهتمام وخلق فرص للتنمية، وتحريك الثروة المادية من خلال الإمكانات التي تزخر بها المدينة الصغيرة. وحتى لا ننسى فلا بد من توجيه برقية تقديرية للسيد محمد بلمو مدير المهرجان، والسيد طارق بورحيم المدير الفني للمهرجان… وكل مكونات جمعية إقلاع والتي حتما تبحث عن التنمية المتكاملة للمنطقة، ولما لا التمكين من العيش الكريم والعدالة الاجتماعية التامة بجبل زرهون.