برلمان

كلمة السيد راشيد الطالبي العلميرئيس مجلس النوابفي افتتاح الدورة التشريعية الثانيةمن السنة التشريعية الثانيةمن الولاية الحادية عشرة

مجلس النواب ، 14 أبريل 2023

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيدة الوزيرة
السيدان الوزيران
السيدات والسادة النواب
السيدات والسادة

طبقًا لأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، نفتتح اليوم، أشغال الدورة التشريعية الثانية من السنة التشريعية الثانية برسم الولاية الحادية عشرة على مستوى الجلسات العامة.
وإذ يصادف هذا الافتتاح العشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك، فإننا نتضرع فيها إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبأن يديم عليه نعمة الصحة ويَكْسُوَّهُ بِرداء العافية، ويوفقه، ويسدِّد خطاه قائدًا لمسيرة التنمية، ورمزًا لعزة هذا البلد واقتداره، وضامنا لوحدته الترابية ومصالحه العليا.
السيدات والسادة،
وكما سبق أن أكدتُ في مناسبات سابقة، فإن من ميزات نظامنا البرلماني، هو أنه باستثناء الجلسات العامة، فإن مجلس النواب يواصل اشتغاله على مدار السنة على مستوى باقي الأجهزة، من مكتب، ولجان نيابية دائمة، ومجموعات عمل موضوعاتية، ومهام استطلاعية، وعلى مستوى العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية.
وكما تلاحظون، فإن هذه الديمومة في العمل تمكننا من تجويد أشغالنا، ومن تعميق النقاش حول المواضيع الخاضعة للرقابة أو التشريع أو التقييم، وتسعف في تدبير الزمن البرلماني على نحو أحسن وبشكل انسيابي. هذا ما يتأكد من حصيلة أعمال المجلس خلال الفترة ما بين دورتي السنة التشريعية الثانية من عمر الولاية الحادية عشرة. فقد اشتغلت اللجان النيابية الدائمة في مجال التشريع، على مشاريع قوانين تأسيسية تُراهن بلادنا على أن تُؤَطِّر جيلًا جديدًا من الاصلاحات متجسدًا في سياسات وبرامج وتدخلات عمومية.
ويتعلق الأمر، خاصة، بترسانة من مشاريع القوانين المتعلقة بالتغطية الاجتماعية، والصحة، والتأمين على المرض، والأدوية، والموارد البشرية العاملة في قطاع الصحة، والتنظيم المركزي والترابي للقطاع. وتؤطر هذه النصوص التحول الكبير الذي دشنته بلادنا في الحماية الاجتماعية وتعميم الخدمات الطبية وتيسير الولوج إليها من جانب مجموع السكان، تجسيدًا لدولة الرعاية الاجتماعية باعتبارها مشروعًا ملكيا يحظى بعناية ملكية فائقة، ويتطلب انخراطَ الجميع فيه اعتبارًا لنُبله ومقاصده.
وبجانب حرصنا في مجلس النواب على تجويد هذه النصوص والمصادقة عليها، فإننا مطالبون بممارسة الرقابة على تنفيذها وتبيُّن أثرها الإيجابي على مختلف الشرائح الاجتماعية والوقوف المستمر على مدى تحسن مؤشرات الصحة والحماية الاجتماعية ومدى تَحَقُّق جودة الخدمة الصحية.
وفي مجال الرقابة على العمل الحكومي، والعلاقات مع باقي المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، درست اللجان النيابية الدائمة خلال الفترة ما بين الدورتين، ستة عشر موضوعًا إما بطلب من الفرق والمجموعة النيابية أو بناء على مبادرة ذاتية من اللجان وفق المساطر المرعية، حيث ساءل أعضاء اللجان السادة الوزراء ومسؤولي المؤسسات العمومية حول سياسات وقضايا راهنة.
واسمحوا لي أن أوضح في هذا السياق بأنه، إلى جانب ممارستها لاختصاص التشريع، اشتغلت اللجان النيابية الدائمة بشكل مكثف في الشق الرقابي بدراسة عدد من قضايا الساعة التي تشغل الرأي العام بحضور السادة والسيدات أعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات العمومية.
وهكذا درست اللجان النيابية خلال أكثر من 110 اجتماعات 220 موضوعًا منذ بداية الولاية الحالية، منها أكثر من 60 برسم الدورة الأولى والفترة الفاصلة ما بين الدورتين من السنة التشريعية الثانية.
وتجسد هذه الدينامية تناميًا وميلًا أكبر إلى العمل الرقابي من جانب المجلس، وتفاعلا تلقائيا للسلطتين التشريعية والتنفيذية مع قضايا المواطنين وانشغالات الرأي العام.
ومن جهة أخرى، واصل أعضاء المجلس المكلفون بمهام استطلاعية أشغالهم بإنجاز الأعمال الميدانية، إذ منها من أنهى صياغة التقارير وصادق عليها، ومنها من تقدم في إنجاز الأعمال الميدانية.
وترتبط المواضيع محور هذا العمل الرقابي من حيث المحتوى، بالسياق الوطني، وبانشغالات المواطنات والمواطنين مما يعكس حرص المؤسسة التشريعية على جعل قضايا المجتمع وانشغالات الرأي العام في صلب أعْمَالِها. وهكذا شكلت مراقبة الأسعار، والعوامل المتحكمة فيها، من شبكات توزيع وتسويق للمنتجات الفلاحية، والمراقبة الصحية للمنتجات الغذائية، والاقتصاد التضامني، وأسعار الطاقة، والتسريع الصناعي، محاور مركزية في العمل الرقابي للمجلس، بمختلف مداخله الدستورية.
وفي نفس التوجه، سارت أعمال تقييم السياسات العمومية من طرف المجموعات الموضوعاتية التي شكلها المجلس لهذا الغرض. فسواء في ما يرجع إلى السياسة المائية، في سياق الجفاف وتداعيات الاختلالات المناخية والإجهاد المائي، أو تَبَيُّن أثر تنفيذ القانون المتعلق بمحاربة العنف الممارس ضد النساء، أو الإصلاح الإداري، فإن الأمر يتعلق بقضايا حاسمة في التنمية المستدامة لبلادنا وتقدمها الاقتصادي والديموقراطي والحقوقي، وبرهانات واختيارات وطنية كبرى.
وإذا كانت عمليات تقييم السياسات العمومية التي ننجزها تكتسي شرعية ديموقراطية، وتتم بمساهمة المعارضة والأغلبية البرلمانية وبالاستماع إلى الفاعلين في كل سياسة عمومية خاضعة للتقييم وإلى المجموعات المستفيدة منها، فإنه علينا في السلطتين التشريعية والتنفيذية أن نشتغل على ترصيد المنجز في اختصاص التقييم باستثمار التوصيات والمخرجات المتوافق بشأنها في استدراك الاختلالات في السياسات الخاضعة للتقييم واقتراح الإصلاحات على النحو الذي يجعل ممارسة هذا الاختصاص البرلماني منتجًا للأثر على المجتمع، وعلى النحو الذي يجعل الإنفاق العمومي يُحْدِثُ الوَقْعَ المتوخى منه.
وما من شك في أن ما يُتَوِّج المهام الاستطلاعية، يشكل بدوره مادةً غنية ينبغي الحرص والعمل مع السلطة التنفيذية، على أن تجد طريقها إلى التصريف في إجراءات عملية.
ونفس التوجه ينبغي اعتماده في ما يخص التقارير الصادرة عن باقي المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة حتى تجد الاقتراحات والاجتهادات الصادرة عنها طريقها إلى التنفيذ والتصريف في سياسات التقائية وتشريعات وإصلاحات متناسقة ومتكاملة يلمس المواطنون أثرها في المعيش اليومي. ويتعين أن يتم ذلك في إطار أحكام الدستور الذي ينبغي دوما تَمَثُّل مقتضياته وروحه، خاصة ما يتعلق منها بتعاون السلط وتوازنها وتكاملها أيضا.
السيدات والسادة،
إننا مطالبون خلال هذه الدورة، في إطار برامج عملنا في مجال التشريع والرقابة والتقييم، بأن نُكثف من مناقشة مجموع التقارير الجاهزة التي أنجزتها مجموعات العمل الموضوعاتية المكلفة بالتقييم، وتلك التي أنجزها السيدات والسادة النواب المكلفون بالمهام الاستطلاعية، والتوافق مع الحكومة حول التوصيات والمخرجات القابلة للتنفيذ.
في هذا الصدد، أود أن أثني على مساهمة كافة الفرق والمجموعة النيابية في دينامية العمل المسجلة خلال الفترة ما بين الدورتين خاصة في ما يتعلق بالأسئلة، والتي بلغت برسم هذه الفترة 880 سؤالا شفويا ترتبط جلها بقضايا الساعة، و856 سؤالا كتابيا، وفي ما يرجع إلى المبادرات التشريعية للنواب الذين تقدموا بـ 18 مقترح قانون، علمًا بأن هذه المبادرات ستكون موضوع اهتمام خاص، من جانب المجلس، انطلاقا من هذه الدورة.

السادة الوزراء
الزميلات والزملاء
السيدات والسادة
نفتتح هذه الدورة في سياق دولي غير مستقر، اقتصاديا وجيوسياسيًا ؛ إذ تتفاقم الاستقطابات في العلاقات الدولية، وتعود ظاهرة الأحلاف بقوة في العلاقات الدولية يحكمها منطق المصالح المباشرة، حيث يتم التصرف في الغالب الأعم على أساس الأنانيات الوطنية ووفق براغماتية تضيقُ فيها – مع كامل الأسف – المساحات المفروض أن تكون للقيم. ويتعين علينا أن نستحضر كل هذا في أشغالنا بالحضور اليقظ والفاعل، وبالحرص على المردودية الفعلية. وليس في ذلك سوى أداءً لواجبنا واضطلاعًا بمهامنا ومسؤولياتنا ومساهمةً منا في تقدم بلادنا، وتعزيز ممارستنا الديموقراطية وتقوية وحدتنا الوطنية تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله ووفق رؤية جلالته الحصيفة.
وبالتأكيد، فإن برنامج عملنا المكثف على المستوى الداخلي، لن يُثْنينا عن مواصلة اشتغالنا في واجهة العلاقات الخارجية وفق رؤية صاحب الجلالة وعقيدة وفلسفة الدبلوماسية الوطنية كما رسخها جلالته.
وبعدما أضفناه، كمكونات للمجلس، جميعها، لرصيد عمل مؤسستنا في هذا الباب خلال الدورتين، سنكون على موعد مع لقاءات برلمانية دولية هامة، وسنحتضن بعضًا من أكثرها أهمية خلال شهر يونيو المقبل.
أمامنا إذن برنامجُ عملٍ مكثف، ينبغي أن ننجزه بالفعالية والنجاعة المطلوبة، وأن نتفاعل ونتجاوب مع انشغالات الرأي العام وأن ننتقل من الرصد والتشخيص إلى التنفيذ، وأن نستمر في جعل المؤسسات التمثيلية الإطار الذي تُناقش فيه قضايا المجتمع، وحيث يُدَار الاختلاف، مهما كانت درجته ومهما كانت حساسيته. فالمؤسسات هي الإطار الدستوري لتدبير الخلاف والاختلاف، والحوار والديموقراطية هما السبيل لحل المشاكل في جميع الظروف والأحوال. والوحدة التي لا تنفي الاختلاف والتعدد والتنوع، طبعا، هي سبيلنا إلى رفع التحديات المطروحة على بلادنا في سياق التحولات الدولية الراهنة.
لنكن إذن جميعا في مستوى هذه التحديات كل من موقعه الدستوري والمؤسساتي من أجل ربح رهانات الانتقالات والتحولات الإيجابية التي تحققها بلادنا وصعودها بقيادة صاحب الجلالة أعزه الله.
شكرا على إصغائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار