لم يأت فوز الكوديم على الكوكب المراكشي وليد صُدفة لعبة كروية (منفوخة بالريح)، بل تأسس وفق إصلاحات هيكلية همت مكونات الفريق المكناسي شكلا وقالبا. إصلاحات نقلت الكوديم من التدبير الارتجالي/ التناحري، إلى التسيير المؤسساتي الذي يشتغل على جدوى الاستراتيجيات الكلية. نعم، عمل المكتب المديري لكرة القدم بقيادة خالد تاعرابت منذ الجمع العام الأخير، على بناء تشكيلة الفريق أولا. تشكيلة تَحْفلُ بتغييرات جذرية ونوعية، وجعل التعاقد مع الفريق التقني/التدريبي غاية تُحددُ المسؤوليات وترتيب الأولويات، وتتأسس على الإضافات الواضحة بالواقعية والنفعية في النتائج والأداء والتواصل الفعال.
نعم، لم تكن مباراة الكوديم والكوكب بالسهلة، بل كانت قوية وحربية، وجمعت بين فريقين يحفلان بالرمزية التاريخية ، والمرجعية الوطنية في مجال كرة القدم، وما قدمه كل فريق من وجوه حملت القميص الوطنية، ونالت صفة العالمية. جاء فريق الكوكب المراكشي إلى مكناس، وهو يحمل نشوة التربع المستديم على بطولة الهواة. جاء وهو في فرحة من أمر النتائج التي حققها بتوالي الفوز منذ مرحلة الإياب (5مبارات). فيما النادي المكناسي فقد بات حُلمه الواقعي يتسع ويكبر دورة بعد دورة، بات يُنافسُ على حلم الصعود، ولم يَسْتَكِنْ بدا من احتلال المراتب المؤدية للقسم الثاني الاحترافي (الوصافة). نعم، الكوديم (يَسْتَاهَلْ أحسن… يستاهل القسم الاحترافي) !! فكل من أتى من الفُرقِ المتنافسة يُردد هذه اللازمة التي أنهكت المدينة في كل مقابلة إعلامية. اليوم تغير الشعار (حنا – مع – الكوديم)، شعار يحمل دلالات ذات قيمة سيمائية لغوية (شعبية). يحمل صيغة لغة الجمع (نحن)، ويُقْصي الإفراد والتفرد بالنادي. نعم ، هي الصيغة التشاركية التي يشتغل بها المكتب المسير للنادي، وتبناها في تعاقده مع الجماهير المكناسية، و بات المكتب بقيادة الرئيس يؤكد ( أن الكوديم ملك للمدينة، وليس للأشخاص، من تم يستوجب على الجميع دعم الفريق معنويا وماديا بالأساس).
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة لإعطاء كل ذي حق حقه (المكتب /اللاعبين/ الجماهير/ الداعمين)، والتصفيق على الانجازات الذات القيمة على صعيد المدينة ( بدايات مؤشرات صعود الكوديم). فاليوم، خرج الكوديم من قمقم التجاذب (البوليميكي) من بين أيدي مجموعة من (العلق) التي كانت تمتص الدم، وتسوس عظم الفريق من الداخل، وتَنْعلُ الملة، وتأكل الغلة، وتُبْرِزُ نفسها أنَّها من حُماة مَعبد النادي الحصين (أنا ومن بعدي الطوفان) !! اليوم باتت المكاشفة بينة وطيعة، والرئيس في تواصل رزين مع مكونات الفريق الداخلية والخارجية، ويعمل وفق رؤية التدبير التشاركي البنائي (لِي قَدْ على شِي حَاجة يتفضل مرحبا). بات الفريق يُدبرُ المسارات العامة وفق منظور احترافي، بعيدا عن ذاك التسيير اليومي للمشاكل وخلق المطبات والمُخْفِقات. بات الفريق مُحصنا من الداخل، ولم يتم تسجيل أي اختراق مهما كانت مرجعيته أو دوافعه.
نرجع إلى المباراة التي استقطبت ناس مكناس عموما، والتي كانت قد نَسَتْ أو تناست تَوغُلَّ الفريق في الهواة، وهي ميزة هذه السنة وهذه المباراة بالذات. مباراة أرجعت الحياة والنور للملعب الشرفي، وتأثيث جوانبه بأجيال متنوعة من عشاق الكوديم. كانت مباراة قوية، ومَنْ سجل الهدف الأول بالسبق !! قد يحسم اللقاء لصالحه. في الشوط الأول تم اسْتِبْدَادُ النادي المكناسي بالكرة، عبر حملات منسقة وسريعة، وفنية في تبادلية اللعب القصير، و تحريك تموضعات الأجنحة (اللاعب بهلول) التي تُحْدث الفزع في دفاعات الخصم، وتجعل منه في احتياط من أمر اندفاعه أو تهاونه. في الشوط الأول كانت تلك الكرات الموجهة نحو حارس الكوديم (إسماعيل) تشكل خطرا وتحمل علامات (احترس … يا أحمد زهير) الكوكب قوية وقادرة على قلب الطاولة في أية لحظة. انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي (0-0).
في الشوط الثاني، كان مكر ودهاء المدرب المكناسي متفوق، حين تم اقتناص هدف السبق مبكرا، ثم عزز الفريق بتغييرات ذكية وسط الميدان، وخنق لاعبي الكوكب في مرتدات بعيدة، وكرات عالية لم تأت بِغلةِ التعادل. وبعد (7د) من الوقت البدل الضائع أعلن الحكم (الجيد) نهاية المباراة بفوز الكوديم على الكوكب بهدف لصفر (1-0). صافرة أشعلت الملعب فرحة، وأخرجت المدينة في عرس جماعي لم تشهده منذ زمن بعيد.
متابعة محسن الأكرمين