نظمت مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط، التي ترأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، يوم الجمعة 4 أبريل 2025 بمدينة مكناس، ورشة فنية جماعية في إطار برنامجها التربوي أرسم تراث مدينتي”. وقد احتضنها منتزه لحبول التاريخي، الذي افتتحته صاحبة السمو الملكي،
في ماي الماضي، بعد إعادة تأهيله ضمن مشروع نسقته مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة. ويأتي هذا الحدث امتدادًا لليوم العالمي للمآثر والمواقع المنجز في إطار برنامج “أرسم تراث مدينتي” الذي ينفذ بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، ومنظمة اليونسكو، وبالتعاون مع مؤسسة دار الصانع وإيكوموس – المغرب.
وشهدت الورشة مشاركة 45 متعلما ومتعلمة، تم اختيارهم من بين 450 مستفيدًا من البرنامج، ينتمون إلى 15 مؤسسة تعليمية بمدينة مكناس. وقد خاض المتعلمون تجربة فريدة عبر برنامج “أرسم تراث مدينتي”، الذي أتاح لهم فرصة القيام بزيارات استكشافية تعرفوا خلالها على رموز التراث الثقافي المكناس ووليلي، وهو محور السنة، الذي تمت دعوتهم للاشتغال عليه من خلال إبداع لوحات فنية تعكس رؤيتهم للتراث، يتم إرفاقها بنصوص تعبيرية تسلّط الضوء على ارتباطهم العاطفي بكل عنصر تراثي اختاروه موضوع لوحاتهم.
واستفاد جميع المشاركين في البرنامج، بمن فيهم الذين حضروا ورشة اليوم، من زيارات استكشافية لمواقع التراث بمدينة مكناس ووليلي، ما مكنهم من التعرف عن قرب على هذه المكونات التراثية. وقد أطرت هذه الزيارات من قبل خبراء ومهنيي التراث، ما سمح لهم بخوض تجربة مميزة تضمنت التفاعل مع الحرفيين والصناع التقليديين، في تجسيد لتوحيد جهود الفاعلين في مجالات الصناعة التقليدية، والثقافة، وعلم الآثار. خلال الورشة الجماعية، عمل المتعلمون على تنقيح إبداعاتهم تحت إشراف خبراء في التراث، ومهنيين في المجال، وأساتذة في الفنون التشكيلية، مما أتاح لهم فرصة الاستفادة من تجربة ثرية تجمع بين البحث والاستكشاف والإبداع الفني.
وتعد هذه المحطة استكمالا للعمل الذي قام به المتعلمون داخل الفصول الدراسية، بتأطير من أساتذتهم الذين استفادوا بدورهم من ورشة لتقوية قدراتهم حيث تعرفوا على أبرز تمثلات التراث الثقافي المكناس ووليلي، واستكشفوا أهمية إدماج التراث في المناهج التربوية عبر تحفيز المتعلمين على إعادة اكتشافه والتعبير عنه من خلال الفن.
وقد أبدع المشاركون في تجسيد معالم بارزة لمدينة مكناس، مثل ساحة الهديم، وباب منصور لعلج وصهريج السواني، والمدرسة البوعنانية، إلى جانب إبراز فنون الحرف التقليدية، مثل الزليج، والنقش على الخشب، وصناعة النحاس. كما استوحى بعضهم أعمالهم من المعمار الروماني في وليلي، حيث أعادوا تصوّر فسيفسائها وأعمدتها الضخمة. إذ خصص أحدهم لوحته لقوس النصر، بينما صور آخر جزءًا من معبد الكابتول، في تعبير فني يعكس تفاعلهم مع تاريخهم المحلي، ويبرز أهمية التوعية عبر الإبداع الفني والثقافي، وهو ما تسعى المؤسسة إلى ترسيخه من خلال برامجها التربوية. وقد جمعت هذه الإبداعات لتقديمها في معرض خاص، يبرز رؤية الجيل الجديد للتراث، ويحفزهم على مواصلة استكشافه والتعبير عنه بأساليب إبداعية في سبيل المحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة. كما ستدمج اللوحات والنصوص التعبيرية المرافقة لها في مؤلّف توثيقي، ليكون بمثابة شهادة حية على تفاعل الأطفال مع الإرث الثقافي المكناس ووليلي.
نجحت هذه الورشة في تقديم نموذج متميز لربط المتعلمين بتراثهم، عبر تجربة تجمع بين التعلم التفاعلي، والاستكشاف، والتعبير الفني، وهي تأكيد على التزام مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط بمواصلة جهودها لتقريب الناشئة من تراثها، من خلال برامج مبتكرة تجمع بين المعرفة، والإبداع والتفاعل المباشر مع التاريخ.
بخصوص مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط
أنشئت مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، من أجل المحافظة على التراث المادي وغير المادي والطبيعي للرباط. فقد تم إدراج المدينة سنة 2012 في قائمة اليونسكو للتراث العالمي تحت عنوان: “الرباط، عاصمة حديثة، مدينة تاريخية تراث مشترك.”
بادرت صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا حسناء، التي تترأس المؤسسة، إلى إرساء استراتيجية طموحة من أجل تحسيس ساكنة مدينة الرباط وزوارها، إذ لا يمكن المحافظة على تراث المدينة بشكل مستدام إلا عند إدراك ساكنتها قيمتها والارتباط بها.
تنجز المؤسسة برامج ترتكز على ثلاثة محاور أساسية التربية والتحسيس وتوحيد جهود الفاعلين. وتراث مدينة الرباط رافعة قوية للإدماج والتماسك، ويعد محركًا حقيقيًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك تنجز المؤسسة أنشطة تحسيسية بصفة مستمرة لتمكين ساكنة المدينة من التعرف على تراثهم، خاصة الناشئة والشباب، من أجل تعزيز ارتباطهم به وتقديره والمحافظة عليه.
وتتوجه برامج المؤسسة إلى جميع فئات المجتمع، وإلى المهنيين والمؤسسات والجهات الفاعلة المعنية وكذلك الشباب في إطار برامجها التربوية التحسيسية، تنجز المؤسسة عدد تربوية ومنصات وسائطية للتراث الثقافي من خلال برنامج رقمنة التراث”، وتنظم كذلك ورشات ولقاءات علمية وتدعوا من أجل ذلك العديد من الخبراء من مختلف القارات لتبادل وتقاسم الخبرات وتعزيز مهمة المحافظة على التراث الثقافي للمغرب.
ويجمع العمل المنجز بمقاربة تشاركية بين الخبرات والموارد، وبين الجهات الفاعلة المؤسساتية والعامة والخاصة بهدف التأكيد على ضرورة حماية التراث في المملكة.
: https://fspcrabat.ma الموقع الإلكتروني للمؤسسة