موسم سيدي علي بن حمدوش أكسجين إنعاش قرية بقاعدة جبل زرهون.

 

محسن الأكرمين .

من بادئ السبق لن نقبل بأن يتزايد علينا أحد بالتنظير المعياري والأخلاقي، فنحن نعلم كذلك مثلكم أحكام الحلال والحرام، والخير والشر، ومواطن الشعوذة وبيت الشيطان. اليوم، أقربكم بالوصف عن قرية سيدي علي المنسية بتناسي الذكر طيلة السنة، ولا تصنع حدث الاستقطاب إلا في موسمها السنوي. أصف لكم اليوم، طيبوبة ساكنة أصيلة سمحة متصالحة مع ذواتها ومكانها ومع زمان نسيان التمكين، ومع كل الزائرين بمقاربة احترام النوع… ومعادلة الإنصاف والمساواة !!!


حين تُقبل على مشارف القرية بقاعدة جبل زرهون (مقدمة جبال الريف)، تُلامس بأن أيام الموسم غير عادية بالمنطقة، فحركة النقل كثيفة السير، والتعزيزات الأمنية حاضرة عبر حواجز أمنية للدرك الملكي منتظمة. من مدخل القرية سيدي علي التابعة لأحواز مكناس الكبرى، تشعر بالطمأنينة والأمن، فتحية فضلى بالسبق لكل التلوينات الأمنية الحاضرة بعين المكان، للسهر على الأمن وضبط مخرجات ومداخل الموسم السنوي، وتحية ثانية للسلطات الترابية بالمنطقة.
كل الزوايا الضيقة تغض بالزوار والمريدين الأوفياء للموسم وطقوسه السنوية. الحركة الاقتصادية متحركة بالبيع والشراء، واستقطاب الجن والجنيات (لالة عيشة)، والبخور،

 

والخرافة (القديمة) لازال يشد القرية قبضة ومختلف الأعمار. و الملاحظات التي وقفنا عندها بالتمييز والضبط، حيث أن مستويات الأعمار متنوعة، وأن الطبقات الاجتماعية تحضر جميعها أطوار أيام موسم الضريح الصالح. من الشرفة العلية المقابلة (للحفرة) وقفنا على شابة تُطل عليا، وهي تتزين ذهبا بالإتراف والبذخ. شابة يبدو عليها نعم الاغتناء والمال، والمستوى التعليمي العالي، والمعيشي المرتفع، لكنها جاءت للموسم كي تتخلص من إكراهاتها الذاتية ومن (التابعة) حسب ما أفادتنا به من كلام مباح !!!


ساكنة أصيلة طيبة وطيعة، تلمح في وجوههم شظف العيش، لكن ملمحهم يحمل ابتسامة مريحة. في مذبح القربان الدموي، هنالك حارس بوابة المسلخ، بلباسه الملون بالأحمر والأخضر والأصفر…، وبعصا توحي بزمن الخوارق، وحكايات العجائب السحرية !!! وفي البوابة العلوية لوحة كتب عليها (ممنوع التصوير) !!! وفي داخل المذبح هنالك المقدم (ة)، والذي يقف على كل كبيرة وصغيرة، فيما الجانب الأيسر الممتد فهو مخصص للشموع والدخان الكثيف الأسود، وتقديم الولاء والطاعة العمياء لسيدة (الحفرة) لالة عيشة !!!
يقولون: أن موسم الضريح سيدي علي بن حمدوش يمثل أكسجين سنوي لإنعاش المنطقة برمتها، هذه القضية الصحيحة أو الخاطئة نستوثق من صحتها و يجب احترامها من حيث العوائد المالية على المنطقة، والرواج التجاري المواكب !!! يقولون: بأن قرية سيدي علي تبيت منسية طيلة السنة، وتُكابد البحث المضني عن العيش الكريم، وما الموسم السنوي إلا احتفاء تقديري لجنيات حراس المعبد والضريح بقدم الجبل الشامخ بخباياه!!!
مرات تخرج علينا فتاوى الثقافة المعيارية بالتنظير المخملي، وبوجهة مسح وتشذيب لكل مظاهر الشعوذة بالمكان. هي دعوة لن نختلف في إيجابياتها بتاتا وصدقها، ولكن قد نختلف في صناعة البدائل الممكنة التي تُغني القرية من تلك الممارسات الدخيلة والخرافية. بدائل تنموية تُغني الساكنة عيش الكفاف، وتَصنع العفاف والكرامة والعدل في العيش والرفاه الاجتماعي (كما ورد في مؤشرات النموذج التنموي). نعم، هكذا يمكن تحصيل البدائل بالمتغيرات البنائية، أما هدم (المعبد) على الرؤوس، فهو قتل رحيم لتلك القرية التي تقعد وفية لقاعدة جبل زرهون، ولا منفذ لها في الخريطة العامة للذاكرة المنسية غير موسم سيدي علي.


تظهر ممارسات الشعوذة الخفية والعلنية بين من يحضر الموسم، وبين من يلتحف ألوان رغبات الجن والجنيات، ويقتعد كراسي المقاهى الممتدة في تفحص للزائرين ومدى مطالبهم الخفية والعميقة !!! هنا وهنالك، تسمع الدقة الحمدوشية تغدي الأنفس المريضة بالجذبة والحضرة، والأجساد تترنح بالقبض والهيام في ملكوت الجن والجنيات (وحضرة لالة عيشة !!!) ملابس للنساء الداخلية مُتخلى عنها في بعض الزوايا وفي المذبح الداخلي، والقلة منها معلقة بأغصان (الكرمة) العتية في القدم!!! والبخور لا يفاق القرية، وهو مصحوب بدخان الشواء المتوفر بوفرة للزائرين.
من الملاحظات التي غيرناها من افتراضاتنا، ونحن في زيارة استطلاعية للقرية، أن سيدي علي بن حمدوش يستولي على عقول الأميين والجهلاء، وكذلك المثقفين، وأصحاب المراتب… والأطر العليا في الدولة (علامات السيارات الفاخرة بلوحات ترقيم لكل المدن المغربية). ومن عين المشاهدة التفحصية يظهر التنوع العمري، والذي يطغى عليه فئة الشباب، خاصة الشابات من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، هنا قلنا بأن البلاهة والثقة في الغيبيات ملك على الشياع، وتتوارث حتى بأخوية الرضاعة !!!


نعم، موسم بخاصيات متميزة، ومظاهر غير سليمة ولا حضارية. لكن بحق القول : فإن موسم سيدي علي يعتبر ذاك الأكسجين السنوي للمنطقة وللساكنة، وبامتياز الانفتاح ومحاصرة التضخم في الفقر والعوز. فإذا ما طلبنا بمحاربة (الشعوذة) فلا بد من وضع تخطيط ينقل القرية من جفاف المنطقة وفراغ البطالة، إلى موضع منفتح على الحداثة، وباعتماد النموذج التنموي التفاعلي مع قضايا واحتياجات الساكنة. هنا انتهى استطلاعنا الذي كان لا نبحث عن المبررات، ولكن لوضع فرضية تجنب أزمة تُماثل وبزيادة ما بعد سد ضريح (بويا عمر) سابقا !!!

 

 

مقالات مشابهة