نَحْوَ الرأي الواحد والوحيد، تبدو الهرولة بمكناس لإعلان النجاحات المتذبذبة في الاضطراب، و صناعة الفقاعات الخاوية من لا شيء. هي وضعية المدينة المشكلة، والتي لن تنتهي إلا بإحضار الحكامة والمساءلة والمحاسبة. في قضايا تدبير مجلس جماعة مكناس، يمكن أن تُماثل (دون كيشوت ديلامنشا) في منصة ترافع الدورات، وإعلاء لغة المعارضة والمشاكسة والتسفيه، لكن حين يجيء التصويت، فقد يبيت البعض حملا وديعا، وينساق نحو تطبيق ذكاء (العقل الجمعي) أو (عقل القطيع)، وهو التفكير ذاته غير المنتظم بين الأقوال والأفعال، وليس بتاتا من الحرية الشخصية، ومن السبق أن نقول: إنه الوباء الذي احتل المدينة بعد الوباء الكبير العالمي !!
طريقة (قولوا العام زين !! وكل ما ينجز بالمدينة من أفعال وأقوال واختلافات وتلاسن زينة والله!!)، لن تنفع هذه الجدلية العقيمة المدينة في اقتحام التنمية التفاعلية البنائية، ولن تنفعنا نحن كذلك في البكاء على الأطلال، وعلى حيطان الأسوار السلطانية، ولن تنفع الناخب في تحييد الفساد !! فالإنسياق نحو الرأي الواحد، ومنع مقبولية الاختلاف والتضاد، فيه نوع من التهجين غير السوي وتدجين نحو(عقل القطيع)، و الذي يسلب قُدرات الأفراد ومهاراتهم على التفكير المنظم والمنتظم، ولما لا بناء القرارات السليمة والمؤسساتية.
اليوم، المدينة تقع تحت تأثير وسيطرة (سُكْرِ)الأفكار الهلامية نتيجة عمليات (الخصي) لكل العقول المناوشة بالنقد البناء، وتصنيع سلطة (الطابور الخامس) للهيمنة على المشكلات الاجتماعية بالحلول التمويهية وإرجائية. إنه بحق الانزياح نحو صناعة التوافق الهجين، بين النخب السياسية (الفوضوية)، وبين النخب ذات المنافع المشتركة، وإحاطات الاستعراضات. ومن بين المظاهر المقلقة كذلك، والتي تتمثل في ترسيخ تفكير (عقلية القطيع) الانسياق نحو تلميع الصور، والانجازات مهما كانت قيمتها المتدنية والعلوية، وحين تخرج عن سرب أخوية الولاءات والانبطاح، قد تصير مارقا، ورقما سلبيا في مدينة الأعاجيب !!
نعم، ففي سياسة تسويغ الانقياد، تحس الساكنة أنها قيد صناعة تاريخها بكلتا يديها، إلا أن هذه السياسة البئيسة لا تُصنع على هواهم وعقلهم الفردي، بل حتما يحضر الاستبداد في الرأي من (عقل القطيع) الموزع بتساوي تطابق المصالح. إنها الصورة الفوضوية، والمركبة والمتداخلة في سياق قول: (كُلْشِي ازْوِينْ بمكناس)، حتى ولو كان الأمر خارج إرادة الساكنة، وقُرر بالعمودية الضغطية. فإذا كان (العقل الجمعي / المؤسساتي ) يميل أساسا إلى التنظيم وبناء منطق توليفة القرارات، والتنزيل الحكيم، فإنه بمكناس يبقى يُشابه العقل الأداتي/ الآلي، الذي يتحكم في آلية العمل والتفكير،عبر المصالح الأنانية الضيقة، والمتشبعة بالتناقض، والكذب، والنفاق، والرياء، وتزلف الانبطاح للمظلات الواقية، وحتى النميمة تبقى حاضرة بامتياز.
إنه بحق، الركود في صناعة تفرد العقل الفردي بالرأي والمشورة في مدينة الأعاجيب !! والذي من الحتمي يجب أن يمتلك القناعات الكبرى والرؤى البديلة. حتى أنه يقال بمكناس: أن الدم أكثر كثافة من الماء إذا ما أخضعناه للتشريح، ونحن نقول: أن الحكامة أكثر حماية للساكنة من تسيب الفساد (وَ كُلْشِي زِينْ !!). فالمواطن المتفاعل مع قضايا المدينة يجب أن يكون مبادرا، منتجا للحلول، غير منتج للسلبية ولا التواكلية ولا الانتظارية. لذا، فقبل ترسيم دعائم المجتمع التضامني بالمدينة، لا بد من أن تكفل المؤسسات الرسمية (التمثيلية للساكنة) الكرامة وحقوق المدينة، لابد من توزيع المسؤولية لكافة الممثلين في (61 عضو) ، وفي تلازم التَّماسُ بين ممارسة الحقوق وأداء الواجبات، وبلا فجوات عنيدة.
لن نَحِيد بُعْدا عن مطلب الديمقراطية. لن نُقفل أبواب حلم المستقبل، و بِناء مشاريع مجتمعية بالمدينة متمايزة وذكية، تروم نحو تحقيق الكرامة والعيش اللائق لكل الساكنة. لن نركن إلى غاية السلبية، بل نعمل (بالعقل الفردي لا الجمعي) على رفع القيم الواعية، والفعالية في تدبير شأن المدينة العام. فالعمل على استعادة النخب (السياسية/ الثقافية…) لدورها التنويري بات لازما، فلا بد للمنتخبين من تحمل المسؤولية التاريخية من خلال المصادقة على برامج طموحة تحمل الاستجابة للحاجيات الملحة بالمدينة وتنتقص من (عقلية القطيع/ العام زين)، والتي هي في طور التزايد. لا بد من ميثاق شرف يحتكم إلى القانون، وحُسن تدبير شؤون الساكنة وإيثار الصالح العام. لا بد من وجود قوى سياسية مغايرة، قوى إبداعية تُؤمن بقضايا المدينة ومصالحها الآنية والمستقبلية، ولا تَكُنْ من فئة الانتهازية الوصولية والانبطاحية.