أحمد الحمصي
قد لا يعرف كثير من الجزائريين أن إسبانيا احتلت مدينة وهران ثلاثة قرون كاملة، سبقت الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830. وهو الاحتلال الذي بدأ سنة 1492 وانتهى عام 1792.
جذور القصة
يقول المؤرخ الجزائري، محمد بن مبارك الميلي، إن بدايات الاحتلال الإسباني لوهران تعود إلى الفترة التي تلت سقوط غرناطة والأندلس عموما، سنة 1492.
وذكر الميلي، في كتابه “تاريخ الجزائر القديم والحديث”، أن “الكاردينال كسيماناس خشي من أن يكون سقوط غرناطة وفرار فلول العرب والمسلمين إليها، إيذانا بتوقف الهجومات ضد العرب والمسلمين”.
“كما ثارت مخاوف الملكة الإسبانية إليزابيت من المسلمين الذي فروا إلى المغرب والجزائر وتونس. والنتيجة الوحيدة التي تهم في نظر الكاردينال هي ضرورة نقل الحرب ضد المسلمين إلى شواطئ المغرب العربي”، يستطرد الميلي في كتابه.
ويروي المؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني، في كتابه “حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا 1492-1792″، بدايات هذا الاحتلال، قائلا: “عندما صح العزم من الملك الإسباني، جلاد مسلمي الأندلس، فرناندو، على غزو شمال أفريقيا لإشغال المسلمين ببلادهم ومنعهم من التفكير في العودة إلى إسبانيا مرة أخرى، لم تكن حالة الخزينة الإسبانية تسمح لها بتجهيز الجيش، فتكفل الكاردينال كسيماناس بتوفير النفقات اللازمة من أموال الكنيسة”.
ويسترسل الكتاب ذاكرا: “لم تتمكن الحامية المشكلة من 500 جندي من صد الإنزال الإسباني المفاجئ، رغم معركة غير متكافئة استمرت ثلاثة أيام متواصلة، وبعد سقوط الميناء وقلعته، قرر سكان المدينة الانسحاب منها بعد أن توصلوا إلى اتفاق مع القائد الإسباني يسمح لهم بمغادرتها في سلام في مهلة ثلاث ساعات فقط، وفور دخول الإسبان المدينة، تم تحويل جامعها إلى كنيسة سميت باسم كنيسة القديس مخائيل”.
سقوط مدينة وهران
شكلت معركة يوم 11 سبتمر 1505 بداية الحرب الجزائرية الإسبانية، التي ستستمر لمدة ثلاثة قرون متوالية، إلى غاية تحرير مدينة وهران سنة 1792.
يقول أحمد توفيق المدني عن ذلك: “ما كاد خبر الاستيلاء على المرسى الكبير يصل إلى إسبانيا حتى عمت الأفراح، وأُعلن العيد لمدة سبعة أيام متوالية، وصدر منشور بابوي يعطي لملك إسبانيا السلطة على الجزائر وتونس، وأعطى البرتغال السلطة على المغرب الأقصى”.
سقط ما يزيد عن أربعة آلاف قتيل من المدنيين والجند وهم يدافعون عن وهران، ويقول توفيق المدني عن هذه الحادثة: “أعمل الإسبان السيف في رقاب أهلها (وهران) إلى الحد الذي سقطت معه دموع القائد الإسباني نفسه أمام هول المجازر التي لحقت بأهل المدينة المسلمين، الذين قتل منهم ما يزيد على الأربعة آلاف فرد، وأُسر ما يزيد عن الثمانية آلاف، سِيقوا عبيدا إلى إسبانيا”.
لم يتوقّف الإسبان عند هذا الحدّ، فلقد نهبوا كل ما وجدوه، كما يورد المدني، موضحا: “الغنائم الإسبانية تقدر بالعملة الجزائرية الحالية بما يوازي أربعة ملايير دينار جزائري (أكثر من 400 ألف دولار)، فالمدينة كانت جمهورية تجارية حقيقية على شاكلة البندقية الإيطالية، وغنية من التجارة مع موانئ مرسيليا وبرشلونة، فغنم الإسبان كل ذلك”.
ولم تُحتل المدينة بالكامل إلا سنة 1509، وكانت قبل سقوطها تابعة لملك تلمسان قبل أن يستولي عليها الإسبان.
حرب التحرير
حُررت وهران سنة 1708 من طرف باي معسكر مصطفى بن يوسف، الملقب ببوشلاغم، لكن الإسبان قاوموا بشدة وعاودوا استرجاع المدينة مرة ثانية سنة 1732، إلى أن جاءت سنة 1792، العام الذي تحررت فيه المدينة نهائيا.
كان ذلك تحت قيادة الباي محمد بن عثمان الكبير، وبمساعدة “جيش الطلبة”، الذي كانت له الكلمة الفصل في طرد الإسبان.
كان “جيش الطلبة” مكونا من طلبة المدارس القرآنية والزوايا وشيوخهم، وقد تطوعوا للدفاع عن وهران، فشكلوا مراكز متقدمة للحيلولة دون توغل الإسبان داخل الأراضي.
حاصر الجيش العثماني وجيش الطلبة مدينة وهران 5 شهور، وخلال فترة الحصار سقطت حصون وقلاع واستسلمت ثكنات كثيرة، وتم الهجوم الأخير على مدينة وهران من الأتراك والأهالي دون توقف.
وكتب محمد بن مبارك الميلي عن الخروج الإسباني من وهران: “كلف هذا الجلاء إسبانيا ثمنا غاليا، لأن الجزائر اشترطت عليها دفع مبلغ سنوي قدره مائة وعشرون ألف جنيه إسترليني”.
“كما اشترطت عليها أن تعيد إلى الجزائر كل المدافع التي كانت لها بوهران والتي حملتها معها، واشترط عليها الداي أيضا أن تتولى بعثة إسبانية حمل مفتاحين ذهبيين يمثلان مفاتيح وهران إلى السلطان العثماني وقُلتين مملوءتين بماء عيون وهران. ونفذت إسبانيا كل هذه الشروط”، يردف الكاتب ذاته.
المصدر: أصوات مغاربية