السفر نحو الصحراء،
اليوم شدني السفر نحو الصحراء حتى حدود ما جاور الراشيدية، رحلة شدتني إلى رمال الأرض الطاهرة والساكنة الطيبة الصدوقة. في هذه الحلقة لن أتحدث بالضبط عن إنسان أنفة الصحراء، ولا عن أرض ملوك حكموا المغرب، ولا عن هواء سخي بالحرارة والبرودة، لن أتحدث عن تلك الحرارة التي تزيد وأنت سيرا إلى أرض الشرفاء، لن أتحدث عن المغرب المنسي ولا عن مفهوم المغرب العميق ولا مثلث الاقصاء. اليوم سأتحدث عن مشاهد مرتبطة بالطريق إلى الصحراء فقط.
طريق”الشيح والريح”،
كنت أسمع صغرا بمثال حين يراد الحديث عن مكان قفر (الشيح والريح)، هي الشمس التي كانت رفيقتنا في حركة سير سيارتنا، هي الشمس التي تتعقبنا عنوة بحرارتها. قاسية هي امتدادات الطريق إلى الصحراء، قاسية حد تعذيب أرض وساكنة ووسط بيئي. لكن للنخل صلابة وجود مثل صبر ساكنة، للنخل شموخ أنفة ساكنة وابتسامة مستفيضة رغم قسوة المكان والزمان وموقع علامات التشوير “مغرب الهوامش”.
تفكير الطريق،
حب الرمال الوطنية حبة حبة، أنستني لهيب الشمس الحارقة ، أنستني تلك الخيام الارتحالية بشظف العيش وقناعة أهل الجبل، أنستني تلك التعريفات التي تضع تواجدي المكاني ضمن المغرب العميق. حين أرجعني التفكير إلى مكناس استحضرت حيوانات حديقة الحبول التي أضحت عالة مستديمة على مجلس الجماعة، تذكرت أنها تعاني الأمراض المميتة، تعاني مرحلة الشيخوخة، تعاني ضعف الرعاية الفضلى مثلها مثل ساكنة مدينة. استحضرت توصية من خبراء حديقة الرباط وغيرهم بحكم الإعدام، فرحت من أن رئاسة مكتب الجماعة رفضت القرار ولم توقع على سند التنفيذ. استحضرت حديث موت “بوعميرة” ورحيل “بلارج “عن مكناس، تعلمت من تلك الحيوانات قياسا صحيحا على اعتلال الصحة الإنسان بمكناس ، ومداومة حديث الصمت.
حيوانات هوامش طريق الصحراء،
ونحن في انشغال حديث الطريق أثار انتباهي مجموعات من الكلاب تنظر إلينا بعيون الأمل القادم مثل ما كنا نفعل ونحن صغارا مع سياح المدينة، رأيتها تتجمع عند كل من ركن مركبته جانبا وهي في نشوة حياة وفرح، علمت من أنها توزع صدق الوفاء للمكان في ذلك الركن المهمش من خريطة الوطن، علمت من أن حياتها المعيشية مرتبطة بهوامش الطريق و ما يجود به المسافرون عليها من أطعمة وماء.
هي الكلاب الوفية في خدمة الإنسان حتى هي أصبحت تمارس التسول على قارعة الطريق، أصبحت تعيش التشرد والضياع، ولما حتى “التشمكير” بهوامش طريق المغرب العميق.
توقف وتأمل،
حين توقفت السيارة عن السير، تحركت كوكبة من الكلاب وهي ترحب بنا كضيوف على قارعة طريق لا مشهد حياة يجاورها. تحلقت علينا والكل يستطلع ما تحمله الأيدي، لم أصدم مثل ما صدمت حين يتعايش العوز وقلة حيلة اليد والمكان، حين يصبح الحديث (قضي وعدي وسلك) حتى عند حيوانات الطريق.
ما شد انتباهي كلب لم يتحرك، كلب يفكر ويحمل هما دفينا مثل التفكير الفلسفي، كلب حين اقتربت منه وجدته في وضعية إعاقة من جراء حادث سير، وجدته أسير ألم وقلة حركته، وجدت أن رزقا موقوفا عليه يأتيه بالعطف والتأسي.
اكتمال المعاناة،
لم أكمل منطلق سيري نحو أرض الرمال الوفية بالعزة والكرامة إلا وأنا أحمل آلاما مثقلة من حال موت “بوعميرة” و رحيل “بلارج” عن مكناس، إلا وأنا أعمم فرضية شظف العيش والفوارق الاجتماعية حتى على عموم حيوانات الوطن. إلا وأنا أعمم أن الجميع يداري الضعف و يأمل بحلم الإصلاح الموعود، إلا وأنا ألعن سياسة التميز بيم مدن الواجهة والسياحة، ومدن آخر محطة لمقطورات التنموية.